Créer un site internet

الذات، الهوية، الكتابة: حواراتٌ في الشعر المغربي

79809130 511673359556217 5968877576381267968 n

   ضمن منشورات بيت الشعر في المغرب 2019، صدر للمؤلف كتاب تحت عنوان: "الذات، الهوية والكتابة: حواراتٌ في الشعر المغربي". وشملت الحوارات نحو ثلاثين شاعراً وشاعرة، كلّ واحد منهم يُمثّل بشكل خاص قضيّته الرئيسية داخل الشّعر الذي يكتبه وشكل علاقته بالجيل الذي ينتمي إليه. من هؤلاء الشعراء من ينتمي إلى جيل الستينيات؛ مثل: محمد السرغيني، ومحمد الميموني، وعبد الكريم الطبال. ومنهم من يقع بين هذا الجيل والجيل الذي يليه؛ ومنهم: مليكة العاصمي، ومحمد الشيخي، وإدريس الملياني، ومحمد عنيبة الحمري، وإسماعيل زويريق، وعبد المجيد بنجلون. ومنهم من ينتمي إلى جيل السبعينيات؛ مثل: أحمد بنميمون، ومحمد عليّ الرباوي، وأحمد بلحاج آية وارهام، ومصطفى الشليح، وعبد الرحمن بوعلي، وعلال الحجام، وأحمد لمسيح، ورشيد المومني ونجيب خداري. ومن جيل الثمانينيات نذكر: مبارك وساط، وصلاح بوسريف، ومحمد بودويك، وأمينة المريني، ومحمد عرش، وعبد السلام المساوي، ومحمد بوجبيري، وثريا ماجدولين، ونور الدين الزويتني وأحمد هاشم الريسوني.

وقال الوراري في تقديمه للكتاب: "من حوارٍ إلى آخر، قصدنا أن نتوجّه بأسئلة مشتركة ترتبط بالجيل الشعري الذي ينتمي إليه هذا الشاعر أو تلك الشاعرة؛ الجيل باعتباره سيرورة ممتدّة لا إطارَا مغلقاً، كما نتغيّا الكشف عن أقانيم كلّ كتابة شعريّة تنوجد داخل هذا الجيل، ومفاهيمها الخاصّة، وطقوسها، والجدوى منها، وفرضية علاقتها بالسيرة الذاتيّة شعراً، ورؤيتها إلى راهن الشعر وبيئته الثقافية والإنسانية. ومن ناحية أخرى، ثمة أسئلة كانت معنيّةً ببحث خواص التجربة وإمكانات تطوُّرها في الزمن بالنظر إلى أجروميات الشكل الشعري لغة وإيقاعاً ورؤيةً؛ وتحديداً داخل جدل الأشكال الشعرية الأكثر حضوراً على ميدان الصراع الجمالي. بيد أن المقصديّة الكبرى التي حرّكتْ حوارات الكتاب ودعت إليها هي بحث القضايا الرئيسية التي شغلت هذا الشعر وأثرت بشكل حاسم في تطوُّره وغناه وتبلور خصوصياته الفنية والجمالية، من خلال فاعليه الأساسيّين تبعاً لنشاطيّتهم وطبيعة تجاربهم الموقفية ورؤاهم الذاتية".

كتاب أوتوبيوغرافي  
اعتبر الشاعر والناقد محمد بودويك أنّ ما كُتِبَ عن الشعر المغربي الحديث والمعاصر، جملة من الدراسات النقدية، والبحوث الجامعية، والمقاربات العاشقة. وإذا كان الشعر المغربي قد راكم تجربة لغوية جمالية جديرة بالاعتبار، وفتَّقَ أكمامها لتضوع رؤوس أزهارها المشتعلة منذ الستينيات من القرن العشرين، وصولاً إلى الثمانينيات منه، فإنّ ما كتب عنه ـ مع ذلك ـ قليل ونزر يسير، ومُشتّت مدسوس في هذا الكتاب أو ذاك، وفي أكثر البحوث الجامعية التي ظلت حبيسة الرفوف تَخْضَرُّ في طحالب العتمة والنسيان.
وأضاف بودويك ضمن كلمته التي جاءت على غلاف الكتاب: "لعلّ عبد اللطيف الوراري أصاب كبد البحث والجمع والضم بتأليفه كتاباً جليلاً في مجاله، إضافيّاً وماتعاً في مضمونه ومحتواه؛ حيث أفرد متنه بالكامل، للشعر المغربي المعاصر منذ أن شبّ هذا الشعر عن الطوق المشرقي في عمومه، وأضحى وجهه المغربي وخصوصيته الثقافية ترتسم كأوضح ما يكون، أي منذ ستينيات القرن المنصرم - كما ألمحنا-  وصولاً إلى العقد الثمانيني.
"وإذاً، فإنّ العقود الثلاثة: الستينية والسبعينية والثمانينية، هي مناط الدراسة والحفر، ومدار البحث الذي توسل السؤال الذكي ذريعة لاستنطاق واستنباط واستقراء الشعرية المغربية سيريّاً وحياتيّاً، وانخراطاً. وقد جاءت الأسئلة على قدر كبير من الدقة والعمق، وهي تستدرج الشعراء والشاعرات إلى البوح، ونشر أسرار كتاباتهم، وكيفيّات تعاملهم مع اللغة والشعر، وما مرجعيّاتهم، ومدخورهم المعرفي، وأهم مصادر إلهامهم؟
"لنقل إنّ الأوتوبيوغرافيا تنصهر مع مسار الكتابة والمكتوب، ما يعني لقاء وانصهار المسارين: مسار حياة الشاعر، ومجيئه إلى الشّعر تخصيصاً.
"ولا غروَ أن يَتَوَفَّقَ وَيَتَفَوَّق عبد اللطيف الوراري في بناء كتابه هذا، إذ هو شاعر وناقد أدبي من أهل المربع والدار، وأهل مكة ـ كما يقال ـ أدرى بشعابها. ولمن تنقاد اللغة، ومعرفة نحت السؤال، إنْ لم تنقَدْ للشاعر الباحث عن لؤلؤة المستحيل؟
"إنّ هذا الكتاب نوعيٌّ في بابه، وضروريّ. فائدته بالغة تُشْبِعُ مَنْ به جَوْعَةٌ معرفية للشعرية المغربية المعاصرة كرافدٍ من روافد الشعر العربي، مكمل ومختلف. أقصد جوعة الرأي الثقافي الشعري المغربي، والعربي بالتلازم والاندغام".

تلازم الفكري والإبداعي
يذهب الشاعر والناقد عبد السلام المساوي إلى أنّ الشعر المغربي المعاصر يحتاج إلى القراءات النقدية التي تضيئه، وتيسر أمر التواصل الرمزي مع جمالياته وأبعاده الدلالية؛ فمثل هذه القراءات تتيح للمتلقي والمتذوق فضاءً ملائماً للتلقي المبني على أسس التأطير والتوجيه والتحريض على المشاركة الحقيقية في إعادة إنتاج النص الشعري وتأويله.
وقال المساوي: "إذا كان عمل الناقد يتم في حياد إلا ما كان من استنطاق للبنيات اللغوية المؤسسة للآفاق الجمالية والدلالية للنص الشعري، فإن استحضار صوت الشاعر وشهادته حول تجربته الإبداعية من شأنه أن يضيء بعض الجوانب المعتمة التي لا تدركها عين الناقد. ذلك أن النص الشعري يحمل من صاحبه أنسجة كثيرة مهما حاول الدارسون إبعادها أو تحييدها. فالإبداع الشعري كينونة رمزية تجسدها اللغة انطلاقا من المرجعيات الثقافية المختلفة المهضومة والمتداخلة، وصولا إلى معاناة الذات في وجودها الأنطولوجي وفي علاقاتها المتشابكة مع كائنات العالم وأشيائه.
"والشاعر والناقد عبد اللطيف الوراري عندما أقدم على إجراء سلسلة من الحوارات مع مجموعة من الشعراء المغاربة المعاصرين المنتمين لمختلف الحساسيات الفنية والجمالية وجمعها في كتاب، فإنه كان يزكي الطرح المومأ إليه أعلاه. بمعنى أنه يؤمن بجدوى الأخذ بالبوح الفكري الموازي للبوح الإبداعي، فجاءت استراتيجيته المعتمدة في إنجاز هذه الحوارات مراعيةً للشروط العلمية والمنهجية التي تضمن تحقيق الأهداف المرصودة لها".
وقد أجمل المساوي الشروط الفنية والعلمية التي تحيط بتأليف الكتاب، في ما يلي:
ـ إخضاع اختيار الأسماء المحاوَرة لتدقيق نقدي يجعلها ممثلة للمرحلة الفنية والثقافية تمثيلا قويا.
ـ التركيز على الشعراء الذين يمتلكون وعيا نقديا عميقا بالفن الشعري ووعيا اجتماعيا وسياسيا، وكل ذلك يجسد خلفية مرجعية أساسية لطرح الأحكام النقدية المتعلقة بتطور مسار القصيدة المغربية المعاصرة.
ـ الاهتمام بتدقيق محاور الحوارات وتنويعها، بحيث يسمح ذلك للشاعر(ة) المحاور(ة) بالحديث عن تجربته (ا) الإبداعية في الكتابة الشعرية ومَوقَعتها من تجارب الآخرين.
ـ إخضاع هذه المحاور لمنهجية تعليمية منظمة تتيح لقارئها التجول السلس والمرن في أفياء عوالم الشعراء. فيأخذ من الجزئي الخاص ما يروي فضوله، ومن الموضوعي العام ما يفيد ثقافته ومعرفته بالشعر.
ـ النزوع إلى جعل الشعراء النقاد يكشفون عن السمات الفنية والدلالية للقصيدة المغربية المعاصرة. وهذا من شأنه أن يفيد دارس هذه القصيدة عبر تمكينه من فرضيات يخضعها للتحليل والدراسة العلمية.
كل ذلك يعطي لهذا الكتاب قيمة فنية وفكرية رفيعة، بما يضمن له مكانة محترمة بين الكتب المضيئة لتجارب الشعر المغربي المعاصر، وبما يشجع على دعم نشره وتوزيعه تحقيقا للأهداف الهامة المرصودة له.
ومن جهته، أشار الشاعر الزجال ورئيس بيت الشعر في المغرب مراد القادري إلى أنّ المؤلَّف يتيح للقارئ المغربي والعربي أن يقترب من المتن الشعري المغربي ومن منتجيه، بالنظر إلى كون الأسئلة التي صاغها الوراري تجمع بين الذاتي والشعري. ولأنّ الشاعر والناقد الوراري اكتسب خبرة جيّدة في استدراج المبدعين نحو دائرة البوح، إذ سبق له أن أنجز في باب السيرة الحواريّة كتبا هامّة مع علي جعفر العلاق وعبد الكريم الطبال، فإنّ كتابه الجديد "الذات، الهوية والكتابة: حوارات في الشعر المغربي" سيكون هو الآخر مفيدا وذا قيمة ثقافية وفكرية.

 

التعديل الأخير تم: 12/05/2020