Créer un site internet

Aimé Césaire

::

 

إيمِي سيزير Aimé Césaire

(شاعر مارتينيكي: 1913- 2008)

أو مبدع الزُّنوجة العظيم

Url 12

    لم يكن أيقونة المارتينيك الشعرية فحسب، بل والإنسانية في زمنيّتها الكبرى. اِختار لغة فرنسا للتعبير عن أفكاره المناهضة لإرْثها الاستعماري، ومن مخيّلته الباذخة أطلق معنى الزنجيّ وفنّ حياته، وطريقة استبصاره للحياة والعالم، خارج كلّ إحساسٍ بالدّونية التي واجهه بها الرجل الأببض. كان يُنْشد بملء فيه وصمته: زنجيٌّ أنا وزنْجيّاً سأبْقى ! كان سيزير شاعراً نسيج وحده ليس في بلده الأصلي فحسب، بل في كلّ البلاد التي كانت تنشد الحرية. لم يقبل أن ينضوي شعره تحت مدرسة شعريّة بما في ذلك السوريالية التي أعجب بِها كاتّجاهٍ فنّي. كان له أسلوبه الخاصّ، ومتخيّله الخاصّ، ومغامرته الخاصّة الّتي كان يُخْصب مفرداتِها في عُبوره مياه الجزر الدافئة وسماواتِها وشموسها وأقمارها وتضاريسها المديدة وهو يصرخ، ويُغنّي، ويرى ويبتكر. بالفعل، كان سيزير مُنْشغلاً باكتشاف جغرافيّته الخصيبة التي وجد الشّعر الذي كان يكتبه الآخر لا يعرفها حتّى وهو يدّعيها؛ كما لا نخطئ في شعره كبرياء الزنْجيّ وطهرانيّته، وأيضاً عصيانه وتوحُّشه. لهذا كلِّه، يستحقّ شعر إيمي سيزير أنْ يُقْرأ ويُكْتشف من جديد، لا لأنّه يخلق في الكلمات الدّهشة وروح معجزة الشعر فحسب، بل يُعلّمنا من خلالها أن نكون أحراراً وشديدي الانتباه لإنسانيّتنا التي تُقاوم ضحالتَها وتنميطها باستمرار.

  ولد إيمي سيزير في عام 1913 بقرية "باس بوانت" القريبة من مدينة "فور دو فرانس" عاصمة وطنه المارتينيك. وقد كان سيزار، جده الأكبر لأبيه، بنَّاءً مُسْتَرَقَّاً. وقد اتُهم في عام 1833 بالتحريض على عصيانٍ وحكم عليه بالاعدام، ثم أطلق سراحه بعد حين. مما يعني أن الحفيد قد تربى على وعيٍ مستبطنٍ بعدم الامتثال. وقد كان في كل مراحل دراسته مبرزاً، بصورةٍ ملفتةٍ لنظر أساتذته، بينما كان في ذات الوقت، مشاكساً صعب المراس. وقد التقى في المدرسة الثانوية بصديق عمران ليوبولد سيدار سنغور إلى جانب رفقةٍ آخرين أسس معهم صحيفة "الطالب الأسود" ، في عام 1934.  وفي سياقات ميلاد هذه الصحيفة عرف قاموس اللغة الفرنسية كلمةً جديدةً هي: "الزنوجة". ومنذ تلك اللحظة، سينذر إيمي جهده وإلهامه لمعنى الزنوجة وروحها، مُطْلقاً صيحته المعروفة: "إنني زنجي، وسأبقى زنجيّاً".

   يستحقّ شعر إيمي سيزير أنْ يُقْرأ ويُكْتشف، لا لأنّه يُعلّمنا أنْ نكون أحراراً حتّي عندما نكتب بلغة من اسْتعمرونا، وشديدي الانتباه لإنْسانيّتنا التي تُقاوِم ضَحالتَها وتنْميطَها باسْتِمرار، بل لأنّه يُرْشِدنا إلي منطقةً ذات اعْتِبار من فنّ الزّنوجة وبهائِها لمْ نَكتشفْها بعْد في شعرنا العربيّ كلّه من العبسيّ عنترة بن شدّاد إلي السّوداني محمد الفيتوري.
  قصيدة " نُبوءة "، التي نُترْجمها هُنا، تُقرّبنا من عالم سيزير الشّعري، وجُغْرافيّته المُضيئة، ورُوحه المتمرّدة بِبلاغةٍ لا يتكلّمها إلّا زنْجيٌّ مُفْرطٌ في إنْسانيّته، ويمضي إلي سَكينتِه، وهو الذي عمّر قَرْناً مِنْ أكْثر قُرون الخلْق ضجيجاً وعبثيّة.

                  نبوءة
هُنا
حيْثُ الْمُغامرةُ ترْعى عينيها المُشعّتين
هُنا حيْثُ النّسْوةُ يتلأْلَأْنَ باللّغة
هُنا حيْثُ الْمَوْتُ رائِعٌ في الْيَد مثْل عُصْفور
وقْت الْحَليب

هُنا حيْثُ السّرْدابُ يقْطف منْ تِلْقاء ركْعتِه تَرَفاً
مِن الْحَدقاتِ جامِحاً أكْثر من دُوداتِ الْقزّ
هُنا حيْثُ الأُعْجوبةُ الرّشيقة لمْ تترُكْ باباً إلّا طرقَتْه وأضْرمَتْه
هُنا حيْثُ اللّيْلُ الشّديد ينْزف السُّرْعةَ مِنْ نباتاتٍ نقيّة

هُنا حيْثُ نحْلُ النّجْمات يلْسع السّماء بـقفيرٍ
أكْثر توقُّداً من اللّيْل
هُنا حيْثُ وقْعُ أعْقابي يمْلأُ الْفَضاء ويكْشفُ
وجْه الزّمن مقْلوباً
هُنا حيْثُ قوْسُ قُزَح كَـلامي يتعهّدُ بِضمِّ الْغَد
إِلى الْأَمل، والطّفْل إلي الْمَلِكة
حَصَل أنْ شَتمْتُ أسْيادي،
وعَضضْتُ جُنْد السّلطان
حَصَل أنْ تأوّهْتُ في الصّحْراء
حَصَل أنْ صرخْتُ في وجه حُرّاسي
حَصَل أنْ توسّلْتُ إِلي بناتِ آوى والضّباعِ رُعاةِ الْقَوافل

أَرى
الدُّخانَ يندفِع بهيئة فرَسٍ متوحّشة إِلي واجِهة
الْمَشْهد يكفّ، لِلَحْظةٍ، طرَفَ
ذنَب طاوُوسِه الرّقيق ثُمّ سُرْعان ما يَنْشَقّ
الْقَميصُ فجْأةً عَن الصّدْر إرباً إِرباً
وَأَراهُ في الْجُزُر البريطانيّة، في الجزُر المُنْتثِرة
في الصُّخور المفتّتة
رويداً رويداً يذُوب في بحر الْهَواء الرائق
حيْثُ يغْتسِلُ في نُبوءَتِه
فَمي
وَعِصْياني
وَاسْـمِي.

التعديل الأخير تم: 05/07/2021