شذرات من سيرة غير ذاتية

شذراتٌ

من سيرة غير ذاتية

Paul klee 2

بعد أن هرَّبوني رَضيعًا،

وارتطمَتْ بِقاربي أنباءُ الغيب،

ووصلْتُ بِأُعْجوبةٍ إلى امرأتي العزيزة،

جاؤوا يثأرون لي من لُغَويٍّ مُبين.

*

لا أتذكّرهُ في مشيته إلَّا بالكاد،

وأكاد أَجْزمُ أنَّه طافَ ليرى أباه.

ذلك الطِّفْل الذي كانَــني

خانَ ظنِّي به وهو يتعثَّرُ بالحنين.

*

حكى لي جَدِّي أنْ لا تنحني.

 إِذا حلَّ الشتاء رأيْتُهُ،

 منذ الفجر،

 يَبْذرُ الحبكة في تَوالي البَرْق.

*

أَسْمعُ الحفيف مُذْ وَضَعْتُ رأسي على الأرض.

 لَيْتَ الرِّيحَ تثِقُ بي

فإنِّي مثلك أيّتُها الأغصان

لي كِتابُ أَسْرار !

*

أيُّها البحر،

هل تسمعُ مثلي

كيف تتأوَّهُ الأمواج

في لعبة المدّ والجزر؟

*

الله، الله..

أيّ مُوسيقا هاتِهِ أسمعها

 عندما أُلْقي بالقصبة في الماء

 تحت طائلة الأشواق!

*

في القرية،

كان يُغافِلُنا النَّوْم

ونحن نتضوَّرُ جُوعًا

قُبالةَ القمر.

*

لِمَ كفرْتَ بالزُّؤان،

والبَيْضُ من الأعشاش لِمَنْ تركْتَها

تلمعُ في اللَّيْل،

يا طائر الأشواق؟

*

قُلْتُ مثل هذا مرارًا، وشَرحْتُهُ في أوقات الريح الطويلة؛

لكنّ غُصْنًا يطير في نَوْم سِنْجاب

 لا يُسْعفه شاعرٌ يمشي بالكاد

 من مَباذِل الحياة.

*

أُحدِّق طَوال اللَّيْل في وجهك، وأتوقَّع البرق.

 تلك السُّحب التي مرَّتْ بي في الصباح

تتراقصُ من عينيك،

وأسمعها تسيل بي قاب نهدين فأدنى.

*

لَوْ تَسْمعني الَّتي بِالْبــــــــاب،

لَوْ تسمحُ لي أن أقول لها ما معناه

إنّي اشتقْتُ إليك،

لَوْلا هذه الأَطْمار التي أقعدَتْني عنك.

*

أعتذرُ لقلبي الّذي مَرِض،

 منذ ما يزيد

عن الشِّعر

 ونحو امرأتَيْن!

*

أستميحُكِ عُذْرًا إوزّاتي في الْجِوار،

 إنْ لم آخُذْك معي إلى المساء،

 فقد شغلَتْني عنك

ذكرى جديدة.

*

إلّا أوراقك لم آنَسْ بها

في ليالي الخريف.

أيُّ حِبْرٍ أُشْرِبَتْـهُ فيكِ لتحترق،

يا شجرة الخَرُّوب؟

*

أُقلِّبُ وَجْهي في السماء، وأُسِرُّ لكلِّ نجْمٍ شاردٍ بِاُسْم القصّة.

يا لَحُمْقي،

من حاكَ الذَّريعة بين الأرجل لترتكب الفظاعات التي اصطبغ بها

الفجر،

 ثُمّ صدقناها طَوال النَّهار؟

*

وُحْدانًا وزَرافاتٍ،

اِقْتَطعنا الْمَجاديفَ من لحمنا ومخَرْنا اللَّيْل.

سَتَشُرِقُ الْوَديعةُ

بعد أن يَنْبت الشَّيْب.

*

أَعْلى فأَعْلى

 يهبطون أَدْراج الرِّيح،

 ويُرْهِفون السَّمْع لِمَرأى الحقول الجائعة،

 مُؤْتَمنين على الوعد.

*

أدخلُ الغابة،

 فأحارُ لِشجرةٍ تتدلَّى عليَّ أَغْصانُها

 بِقوافٍ لشاعرٍ جاهليٍّ مات قبل ألفَيْ عام،

وأخرى أخفَتْ عنِّي طريقَ العودة.

*

لقد كانوا شُجْعانًا وكِرامًا بالفطرة؛

دَارَوْا جوعَهُمْ

وسط الصحراء

بِصوْتِ قافية!

*

يا أصدقائي،

 إنِّي أقرأُ شعركم على ضوء سريرتي.

كُلَّما طال لسان الذُّبالة سهرتُمْ معي،

ورفعنا الأَنْخاب في لَيْل القصيدة.

*

كُلُّــهُمْ

تَحدّثَ إليَّ

إلّا أنْتِ،

يا ألسنة النَّار.

*

إنِّي أبكي نَهْرك

أيَّتُها القصيدة؛

فقد غَلَّقوا عليك المصاريع

وجاؤوك بِمَجازٍ كَذِب.

*

يا لَلْمُفارقة!

ماتوا من العطش،

وهُمْ على ضِفاف

 وادي عَبْقر.

*

أيُّها الْخَشَب،

 ماذا صنعتَ

 بِـاللُّغة؟

*

مع ما يحدثُ في الخارج من نَشاز،

لم تَضِعْ منِّي البوصلة إِذْ أحملها من بيت إلى بيت،

ولا الموسيقا التي أَوْرَثَنيها الْحُداء

لأبنائي الثلاثة.

*

أَنْ تُوافق بين الألوان

وتجعلَ تحتها خَطًّا عَريضًا

حَتَّى لا يقع الرَّسْم:

الشِّعر كما شرحتُهُ لأبنائي.

*

أيَّتُها الرِّيح، لا تلعبي بِستارة النافذة،

وبِالظِّلال على جُدْران غُرْفتي؛

فإنَّ أحلامي قد نامَتْ

ولا أعرفُ أنا أيَّ طريقٍ أَسْلُك؟

*

عندما يختنقُ البيت

بِالْقِصَص الرتيبة،

وتقِلُّ حوافزُ البناء،

تأخذ النافذة شكْلَ عزاء!

*

الشِّعر كما يَصِلُـني

 هو كلُّ نِداء،

إلَّا أنْ يكون

نداءَ باعة.

*

مِنْ رماد جناح فراشةٍ

اِحترقَتْ في نيران غابة،

تَرِدُ عليَّ الذكريات

لِتتلقّى التعازي من قصيدة بيضاء.

*

صباح الأحد،

 في سور (المعكازين) بطنجة،

أُتيحَ لي أن أسمع من المُتوسِّط

 أَصْواتًا ما.

*

في فندق (رمبراند)،

على مَرْمى من أمواج المُتوسِّط،

يذهبُ شعرُ الأندلس ويعود

بِقًلْبي الفارغ.

*

شَرِقَتْ بِرُوحي غَيْمتان،
لهذه الأسباب، أُبْعث بينكم.
لا.. لا لِأَنّي مِـــتُّ مِنْ زمنٍ بعيد،
بل لِأنّي

لَمْ أَنَـــــمْ

*

يا سَعَف النَّخيل،
أَسْعِفْـــني؛
فقد تنسّمْتُ
من ظلالك
نداوةَ الأعشاش.

*

لا أزال حتَّى الساعة

أُغنِّي

...
...
وعينايَ
مُغْرَوْرقتانِ
بِالْوُعود.

*

رجاءً،

أنْ تَغْفِر لي عنادي.

رجاءً،
أيُّها اليأس!