شذرات من سيرة غير ذاتية
شذراتٌ
من سيرة غير ذاتية
بعد أن هرَّبوني رَضيعًا،
وارتطمَتْ بِقاربي أنباءُ الغيب،
ووصلْتُ بِأُعْجوبةٍ إلى امرأتي العزيزة،
جاؤوا يثأرون لي من لُغَويٍّ مُبين.
*
لا أتذكّرهُ في مشيته إلَّا بالكاد،
وأكاد أَجْزمُ أنَّه طافَ ليرى أباه.
ذلك الطِّفْل الذي كانَــني
خانَ ظنِّي به وهو يتعثَّرُ بالحنين.
*
حكى لي جَدِّي أنْ لا تنحني.
إِذا حلَّ الشتاء رأيْتُهُ،
منذ الفجر،
يَبْذرُ الحبكة في تَوالي البَرْق.
*
أَسْمعُ الحفيف مُذْ وَضَعْتُ رأسي على الأرض.
لَيْتَ الرِّيحَ تثِقُ بي
فإنِّي مثلك أيّتُها الأغصان
لي كِتابُ أَسْرار !
*
أيُّها البحر،
هل تسمعُ مثلي
كيف تتأوَّهُ الأمواج
في لعبة المدّ والجزر؟
*
الله، الله..
أيّ مُوسيقا هاتِهِ أسمعها
عندما أُلْقي بالقصبة في الماء
تحت طائلة الأشواق!
*
في القرية،
كان يُغافِلُنا النَّوْم
ونحن نتضوَّرُ جُوعًا
قُبالةَ القمر.
*
لِمَ كفرْتَ بالزُّؤان،
والبَيْضُ من الأعشاش لِمَنْ تركْتَها
تلمعُ في اللَّيْل،
يا طائر الأشواق؟
*
قُلْتُ مثل هذا مرارًا، وشَرحْتُهُ في أوقات الريح الطويلة؛
لكنّ غُصْنًا يطير في نَوْم سِنْجاب
لا يُسْعفه شاعرٌ يمشي بالكاد
من مَباذِل الحياة.
*
أُحدِّق طَوال اللَّيْل في وجهك، وأتوقَّع البرق.
تلك السُّحب التي مرَّتْ بي في الصباح
تتراقصُ من عينيك،
وأسمعها تسيل بي قاب نهدين فأدنى.
*
لَوْ تَسْمعني الَّتي بِالْبــــــــاب،
لَوْ تسمحُ لي أن أقول لها ما معناه
إنّي اشتقْتُ إليك،
لَوْلا هذه الأَطْمار التي أقعدَتْني عنك.
*
أعتذرُ لقلبي الّذي مَرِض،
منذ ما يزيد
عن الشِّعر
ونحو امرأتَيْن!
*
أستميحُكِ عُذْرًا إوزّاتي في الْجِوار،
إنْ لم آخُذْك معي إلى المساء،
فقد شغلَتْني عنك
ذكرى جديدة.
*
إلّا أوراقك لم آنَسْ بها
في ليالي الخريف.
أيُّ حِبْرٍ أُشْرِبَتْـهُ فيكِ لتحترق،
يا شجرة الخَرُّوب؟
*
أُقلِّبُ وَجْهي في السماء، وأُسِرُّ لكلِّ نجْمٍ شاردٍ بِاُسْم القصّة.
يا لَحُمْقي،
من حاكَ الذَّريعة بين الأرجل لترتكب الفظاعات التي اصطبغ بها
الفجر،
ثُمّ صدقناها طَوال النَّهار؟
*
وُحْدانًا وزَرافاتٍ،
اِقْتَطعنا الْمَجاديفَ من لحمنا ومخَرْنا اللَّيْل.
سَتَشُرِقُ الْوَديعةُ
بعد أن يَنْبت الشَّيْب.
*
أَعْلى فأَعْلى
يهبطون أَدْراج الرِّيح،
ويُرْهِفون السَّمْع لِمَرأى الحقول الجائعة،
مُؤْتَمنين على الوعد.
*
أدخلُ الغابة،
فأحارُ لِشجرةٍ تتدلَّى عليَّ أَغْصانُها
بِقوافٍ لشاعرٍ جاهليٍّ مات قبل ألفَيْ عام،
وأخرى أخفَتْ عنِّي طريقَ العودة.
*
لقد كانوا شُجْعانًا وكِرامًا بالفطرة؛
دَارَوْا جوعَهُمْ
وسط الصحراء
بِصوْتِ قافية!
*
يا أصدقائي،
إنِّي أقرأُ شعركم على ضوء سريرتي.
كُلَّما طال لسان الذُّبالة سهرتُمْ معي،
ورفعنا الأَنْخاب في لَيْل القصيدة.
*
كُلُّــهُمْ
تَحدّثَ إليَّ
إلّا أنْتِ،
يا ألسنة النَّار.
*
إنِّي أبكي نَهْرك
أيَّتُها القصيدة؛
فقد غَلَّقوا عليك المصاريع
وجاؤوك بِمَجازٍ كَذِب.
*
يا لَلْمُفارقة!
ماتوا من العطش،
وهُمْ على ضِفاف
وادي عَبْقر.
*
أيُّها الْخَشَب،
ماذا صنعتَ
بِـاللُّغة؟
*
مع ما يحدثُ في الخارج من نَشاز،
لم تَضِعْ منِّي البوصلة إِذْ أحملها من بيت إلى بيت،
ولا الموسيقا التي أَوْرَثَنيها الْحُداء
لأبنائي الثلاثة.
*
أَنْ تُوافق بين الألوان
وتجعلَ تحتها خَطًّا عَريضًا
حَتَّى لا يقع الرَّسْم:
الشِّعر كما شرحتُهُ لأبنائي.
*
أيَّتُها الرِّيح، لا تلعبي بِستارة النافذة،
وبِالظِّلال على جُدْران غُرْفتي؛
فإنَّ أحلامي قد نامَتْ
ولا أعرفُ أنا أيَّ طريقٍ أَسْلُك؟
*
عندما يختنقُ البيت
بِالْقِصَص الرتيبة،
وتقِلُّ حوافزُ البناء،
تأخذ النافذة شكْلَ عزاء!
*
الشِّعر كما يَصِلُـني
هو كلُّ نِداء،
إلَّا أنْ يكون
نداءَ باعة.
*
مِنْ رماد جناح فراشةٍ
اِحترقَتْ في نيران غابة،
تَرِدُ عليَّ الذكريات
لِتتلقّى التعازي من قصيدة بيضاء.
*
صباح الأحد،
في سور (المعكازين) بطنجة،
أُتيحَ لي أن أسمع من المُتوسِّط
أَصْواتًا ما.
*
في فندق (رمبراند)،
على مَرْمى من أمواج المُتوسِّط،
يذهبُ شعرُ الأندلس ويعود
بِقًلْبي الفارغ.
*
شَرِقَتْ بِرُوحي غَيْمتان،
لهذه الأسباب، أُبْعث بينكم.
لا.. لا لِأَنّي مِـــتُّ مِنْ زمنٍ بعيد،
بل لِأنّي
لَمْ أَنَـــــمْ
*
يا سَعَف النَّخيل،
أَسْعِفْـــني؛
فقد تنسّمْتُ
من ظلالك
نداوةَ الأعشاش.
*
لا أزال حتَّى الساعة
أُغنِّي
...
...
وعينايَ
مُغْرَوْرقتانِ
بِالْوُعود.
*